شهدت السنوات الأخيرة في سوريا نمواً ملحوظاً في عدد المواقع الإلكترونية، لا سيما الإخبارية منها، مما يعكس تزايد عدد مستخدمي الإنترنت وتطور دور هذه المنصات كوسيلة تفاعلية لقياس الرأي العام واستقبال التعليقات. هذا التحول ساهم في جذب شرائح جديدة من المتابعين، خاصة الشباب، الذين وجدوا في هذه المنصات بديلاً للإعلام التقليدي. ورغم هذا الحضور اللافت، إلا أن التحديات ما تزال تلاحق هذه المواقع، مما يكشف عن بعض النقص في مجالات رئيسية.
تصاعد دور الإعلام الإلكتروني
تزايد المواقع الإخبارية في سوريا يحمل مؤشرات إيجابية ترتبط بازدياد انتشار الإنترنت واهتمام الجمهور بمواكبة الأحداث المحلية والعالمية. فالعديد من هذه المواقع أصبحت منصات تفاعلية تتيح للجمهور التعبير عن آرائهم ومناقشة القضايا الملحة. بعض التعليقات والتفاعلات التي تطرح على هذه المواقع قد تتحول في بعض الأحيان إلى مواضيع تستحق التغطية بحد ذاتها، مما يُشعل شرارة الجدل ويزيد من جاذبية الموقع.
من بين المواقع البارزة التي اعتمدت هذا الأسلوب نجد مواقع مثل *Syrian Days* و*Syria Steps*، التي اختارت التركيز على الأخبار الاقتصادية، حيث تقدم تغطيات شاملة لأخبار النفط والطاقة والمصارف وشركات التأمين. بينما نجد مواقع أخرى مثل *عكس السير* و*نوبلز نيوز* التي تركز على القضايا الشبابية، وتقدم مقاطع الفيديو والمحتوى الذي يجذب الفئة العمرية الفتية.
تنوع الأساليب لجذب المتابعين
بعض المواقع الإخبارية السورية تبنت استراتيجيات مبتكرة لزيادة التفاعل مع جمهورها. فمثلاً، نجد موقع *شام برس* يخصص زاوية ثابتة لمقال رئيس التحرير وأهم الضيوف، حيث يمكن للقراء متابعة هذه المقالات بشكل دوري. أما موقع *داماس بوست* فقد خصص مساحة خاصة كل أسبوع لعمود "فتح الصندوق الأسود"، حيث يتم تناول الوسط الإعلامي والفني بالنقد والتحليل. في الوقت نفسه، نجد مواقع أخرى تعتمد على إثارة فضول المتابعين بنشر أخبار الحوادث والجرائم المحلية، مثل موقع *سيريا نيوز* الذي يولي اهتماماً خاصاً لمساهمات القراء.
التحديات والمشكلات
رغم الحضور المتزايد لهذه المواقع، إلا أن هناك تحديات بارزة تعيق تطورها بشكل كامل. من أبرز هذه التحديات ضعف شبكات المراسلين والصحفيين، حيث تعتمد العديد من المواقع على مصادر خارجية للأخبار أو تقوم بنسخ ولصق المحتوى من مواقع أخرى. هذا التكرار يضعف من تميز الموقع ويجعل تجربة التصفح متشابهة في العديد من المنصات، حتى أن بعض الأخبار تنتقل من وكالة الأنباء السورية (سانا) إلى مختلف المواقع دون أي تعديل أو تحرير.
كما تفتقر معظم المواقع السورية إلى المحتوى التحليلي، إذ تكتفي بنشر الأخبار القصيرة أو التقارير المبتورة التي تفتقر إلى العمق والتحليل. استثناءً لهذا النمط، نجد موقع *الجمل* الذي يقدم تحليلات متأنية وتغطيات شاملة للحدث، مما يضفي بُعداً مميزاً على محتواه.
الهوية الضائعة
إحدى المشكلات الأخرى التي تعاني منها المواقع الإلكترونية السورية هي غياب هوية واضحة للكُتاب والمحررين، حيث تنشر العديد من المواقع موادها دون ذكر اسم الكاتب أو المحرر، مما يخلق تساؤلات حول مصادر هذه المعلومات ويضعف من مصداقية الموقع. هذا الغياب للأسماء يجعل هوية الموقع غامضة بالنسبة للقراء ويضعف التفاعل بين الجمهور وكادر الموقع.
نقص في المحتوى الثقافي
بالإضافة إلى ما سبق، تعاني معظم المواقع الإخبارية من ضعف في تغطية الأخبار الثقافية والفنية. الأخبار الثقافية غالباً ما تكون مقتضبة أو محدودة لتغطية بعض الأنشطة بشكل سطحي دون تقديم نقد أو تحليل معمق. هذا القصور يحرم هذه المواقع من استغلال إمكانياتها كمنصات مفتوحة للنقد الفني والثقافي، وهو جانب ضروري لتطوير الصحافة الإلكترونية وتعزيز دورها في دعم الحركة الثقافية في المجتمع.
الخلاصة
رغم التقدم الملحوظ في المشهد الإلكتروني السوري وتزايد عدد المواقع، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تحتاج إلى معالجة. تطوير شبكات المراسلين، تعزيز المحتوى التحليلي، وإعطاء مساحة أكبر للأخبار الثقافية، كلها خطوات ضرورية لتحسين جودة هذه المواقع وتوسيع نطاق تأثيرها. في الوقت نفسه، الحفاظ على الهوية الواضحة للموقع والمحررين سيساهم في زيادة ثقة القراء ويضمن للمواقع السورية دوراً فاعلاً ومستداماً في المشهد الإعلامي المحلي والعالمي.
علي فجر المحمد - المشهد
تعليقات
إرسال تعليق