يُعد مقهى السور الأثري واحداً من آخر الشواهد الحية على سور حمص التاريخي الذي يعود تاريخه إلى العهدين الآرامي والحثي. على مر العصور، تعرض السور لعدة ترميمات حتى اكتسب شكله الحالي في زمن الأيوبيين. ومع ذلك، لم يسلم من عوامل الزمن وعبث المعتدين، حيث هُدمت أجزاء كبيرة منه خلال الاحتلال الفرنسي بحجة توسيع الطرق وملاحقة الثوار خلال الثورة السورية الكبرى. اليوم، لم يتبقَ من السور سوى الجزء الشرقي، الذي يضم برجين أحدهما شبه دائري والآخر مربع الشكل.
المقهى: تاريخ متعدد الاستخدامات
في الجهة الشرقية من السور، يظهر مقهى السور الأثري، الذي يُعتبر من أقدم الأجزاء المتبقية من السور. كان المقهى فيما مضى خانا للمسافرين، ثم تحول إلى فرن وطاحون، وما زالت بعض بقايا هذا التاريخ مرئية في الموقع، مثل جرن القمح وفوهة الفرن. منذ خمس سنوات، استُثمر الموقع وتم تحويله إلى مقهى يجذب الزوار من داخل وخارج سوريا، بفضل طابعه الأثري وموقعه المميز المطل على ثمانية شوارع.
رؤية تاريخية للمقهى
يعتقد مظهر دياب، صاحب المقهى، أن المبنى كان فيما مضى معبداً مسيحياً، ويستند في ذلك إلى وجود جرن عمادة كبير. المقهى، الذي يمتد على مساحة 200 متر مربع ويتسع لحوالي 100 شخص، يستضيف أحياناً طلبة كلية التربية الموسيقية بجامعة البعث لإقامة تدريبات وحفلات موسيقية. بالإضافة إلى ذلك، يقدم المقهى برامج ترفيهية أسبوعية تشمل الحكواتي وفرقة الرقص الشيخاني، إلى جانب تقديم الأكلات الشعبية مثل الشيش برك والخضار المطهوة في الفرن العربي والكبة والمجدرة.
العمارة والأثر
يتميز مقهى السور الأثري بتصميمه الفريد، إذ تتقاطع أسقفه على شكل عقود حجرية، وتزين واجهاته أحجار بازلتية تمنح البرودة في الصيف والدفء في الشتاء. تتزين جدرانه بزخارف عربية بديعة، بينما تضفي الفوانيس القديمة على الطاولات جواً من الأصالة. في أحد زوايا المقهى، يبقى جرن القمح كشاهد حي على تاريخ المكان.
سور حمص: شواهد وآثار باقية
الدكتور منذر الحايك، الباحث والمؤرخ، يوضح أن السور الشرقي لحمص، الذي يضم باب تدمر وباب الدريب، هو الجزء الوحيد المتبقي من السور التاريخي. في الماضي، كان موقع المقهى خاناً يستقبل المسافرين ويوفر لهم استراحة قبل دخول المدينة. يُظهر بناء المقهى بقايا من السور الروماني والإسلامي، ما يجعله شاهداً على حقب تاريخية متعددة.
يشرح الحايك أن تصميم الخانات في ذلك الوقت يعتمد على بناء العقود الحجرية المدعومة بركائز تلتقي في سقف قبة، وهو طراز استمر حتى أواخر العصر العثماني. يُعتبر مقهى السور من آخر النماذج المتبقية لهذا الطراز المعماري.
جهود الحفظ والترميم
وفيما يتعلق بجهود الحفاظ على السور ومرافقه، أوضح المهندس فريد جبور، رئيس دائرة الآثار والمتاحف في حمص، أن عمليات الترميم بدأت في عام 2005 للحفاظ على ما تبقى من السور، مع متابعة دورية لضمان استقراره. وأكد جبور أن المديرية قد حافظت على أجزاء من السور داخل المقهى وأعادت ترميمها، بما يسمح للزوار بمشاهدة بقايا السور الشرقي أثناء زيارتهم للمقهى.
أهمية الموقع
بفضل الجهود المستمرة للحفاظ على هذا الموقع، يبقى مقهى السور الأثري شاهداً على تاريخ حمص العريق، وجزءاً مهماً من الهوية الثقافية والسياحية للمدينة. استمرار أعمال التوثيق والترميم لهذه المباني يساعد في الحفاظ على هذا التراث التاريخي للأجيال القادمة، وتعزيز جاذبية حمص كوجهة سياحية.
علي فجر المحمد - شام برس
تعليقات
إرسال تعليق